سورة لقمان - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (لقمان)


        


{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21)}
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} أي لمن يجادل والجمع باعتبار المعنى {اتبعوا مَا أَنزَلَ الله قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا} يريدون عبادة ما عبدوه من دون الله عز وجل، وهذا ظاهر في منع التقليد في أصول الدين والمسألة خلافية فالذي ذهب إليه الأكثرون ورجحه الإمام الرازي والآمدي أنه لا يجوز التقليد في الأصول بل يجب النظر والذي ذهب إليه عبيد الله بن الحسن العنبري وجماعة الجواز ورا قال بعضهم: إنه الواجب على المكلف وإن النظر في ذلك والاجتهاد فيه حرام، وعلى كل يصح عقائد المقلد المحق وإن كان آثمًا بترك النظر على الأول؛ وعن الأشعري أنه لا يصح إيمانه، وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري: هذا مكذوب عليه لما يلزمه تكفير العوام وهم غالب المؤمنين، والتحقيق أنه إن كان التقليد أخذًا لقول الغير بغير حجة مع احتمال شك ووهم بأن لا يجزم المقلد فلا يكفي إيمانه قطعًا لأنه لا إيمان مع أدنى تردد فيه وإن كان لكن جزمًا فيكفي عند الأشعري وغيره خلافًا لأبي هاشم في قوله لا يكفي بل لابد لصحة الإيمان من النظر، وذكر الخفاجي أنه لا خلاف في امتناع تقليد من لم يعلم أنه مستند إلى دليل حق، وظاهر ذم المجادلين بغير علم ولا هدى ولا كتاب أنه يكفي النظر الدليل النقلي الحق كما يكفي فيه الدليل العقلي.
{أَوَلَوْ كَانَ الشيطان يَدْعُوهُمْ} أي يدعو آباءهم لا أنفسهم كما قيل: فإن مدار إنكار الاستتباع كون المتبوعين تابعين للشياطين وينادي عليه قوله تعالى: {أَوْ لَّوْ كَانَ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ وَمَثَلُ} بعد قوله سبحانه: {بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ ءابَاءنَا} [البقرة: 170] ويعلم منه حال رجوع الضمير إلى المجموع أي أولئك المجادلين وآباءهم {إلى عَذَابِ السعير} أي إلى ما يؤول إليه أو يتسبب منه من الإشراك وإنكار شمول قدرته عز وجل للبعث ونحو ذلك من الضلالات، وجوز بقاء {عَذَابِ السعير} على حقيقته والاستفهام للإنكار ويفهم التعجيب من السايق أو للتعجيب ويفهم الإنكار من السياق والواو حالية والمعنى أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعوهم أي في حال دعاء الشيطان إياهم إلى العذاب، وجوز كون الواو عاطفة على مقدر أي أيتبعونهم لو لم يكن الشيطان يدعوهم إلى العذاب ولو كان يدعوهم إليه، وهما قولان مشهوران في الواو الداخلة على {لَوْ} الوصلية ونحوها، وكذا في احتياجها إلى الجواب قولان قول بالاحتياج وقول بعدمه لانسلاخها عن معنى الشرط، ومن ذهب إلى الأول قدره هنا لا يتبعوهم وهو مما لا غبار عليه على تقدير كون الواو عاطفة، وأما على تقدير كونها حالية فزعم بعضهم أنه لا يتسنى وفيه نظر، وقد مر الكلام على نحو هذه الآية الكريمة فتذكر.


{وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (22)}
{وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله} بأن فرض إليه تعالى جميع أموره وأقبل عليه سبحانه بقلبه وقالبه، فالإسلام كالتسليم التفويض، والوجه الذات، والكلام كناية عما أشرنا إليه من تسليم الأمور جميعها إليه تعالى والإقبال التام عليه عز وجل وقد يعدى الإسلام باللام قصدًا لمعنى الإخلاص.
وقرأ علي كرم الله تعالى وجهه. والسلمي. وعبد الله بن مسلم بن يسار {يُسْلِمْ} بتشديد اللام من التسليم وهو أشهر في معنى التفويض من الإسلام {وَهُوَ مُحْسِنٌ} أي في أعماله والجملة في موضع الحال.
{فَقَدِ استمسك بالعروة الوثقى} تعلق أتم تعلق بأوثق ما يتعلق به من الأسباب وهذا تشبيه تمثيلي مركب حيث شبه حال المتوكل على الله عز وجل المفوض إليه أموره كلها المحسن في أعماله ن ترقى في جبل شاهق أو تدلى منه فتمسك بأوثق عروة من حبل متين مأمور انقطاعه، وجوز أن يكون هناك استعارة في المفرد وهو العروة الوثقى بأن يشبه التوكل النافع المحمود عاقبته بها فتستعار له {وإلى الله عاقبة الامور} أي هي صائرة إليه عز وجل لا إلى غيره جل جلاله فلا يكون لأحد سواه جل وعلا تصرف فيها بأمر ونهي وثواب وعقاب فيجازي سبحانه هذا المتوكل أحسن الجزاء، وقيل: فيجازي كلًا من هذا المتوكل وذاك المجادل بما يليق به قتضى الحكمة، وأل في الأمور للاستغراق، وقيل: تحتمل العهد على أن المراد الأمور المذكورة من المجادلة وما بعدها، وتقديم {إِلَى الله} للحصر ردًا على الكفرة في زعمهم مرجعية آلهتهم لبعض الأمور.
واختار بعضهم كونه إجلالًا للجلالة ورعاية للفاصلة ظنًا منه أن الاستغراق مغن عن الحصر وهو ليس كذلك.


{وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بما عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (23)}
{وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ} أي فلا يهمنك ذلك {إِلَيْنَا} لا إلى غيرنا {مَرْجِعُهُمْ} رجوعهم بالبعث يوم القيامة {فَنُنَبّئُهُم بما عَمِلُواْ} أي بعملهم أو بالذي عملوه في الدنيا من الكفر والمعاصي بالعذاب والعقاب، وقيل: إلينا مرجعهم في الدارين فنجازيهم بالإهلاك والتعذيب والأول أظهر وأيًا ما كان فالجملة في موضع التعليل كأنه قيل: لا يهمنك كفر من كفر لأنا ننتقم منه ونعاقبه على عمله أو الذي عمله والجمع في الضمائر الثلاثة باعتبار معنى من كما أن الإفراد في الأول باعتبار لفظها، وقرئ في السبع {وَلاَ يَحْزُنكَ} مضارع أحزن مزيد حزم اللام؛ وقدر اللزوم ليكون للنقل فائدة وحزن وأحزن لغتان، قال اليزيدي: حزنه لغة قريش وأحزنه لغة تميم وقد قرئ بهما، وذكر الزمخشري أن المستفيض في الاستعمال ماضي الأفعال ومضارع الثلاثي والعهدة في ذلك عليه {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} تعليل للتنبئة المعبر بها عن المجازاة أن يجازيهم سبحانه لأنه عز وجل عليم بالضمائر فما ظنك بغيرها.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10